في مدن تغيب
فيها أصوات الأذان، وتغيب فيها عطلات الأعياد الإسلامية عن جداول التقويم الرسمي،
يحتفل ملايين المسلمين حول العالم بعيد الأضحى وسط بيئات ثقافية واجتماعية
وقانونية تختلف كليا عن تلك التي نشأ فيها في البلاد الإسلامية والعربية.
لكن رغم الغربة
واختلاف السياقات، أو الأقليات المسلمة في تلك البلاد، ينجح المسلمون في أوروبا
وأمريكا وشرق آسيا وأجزاء من إفريقيا في الحفاظ على جوهر هذا العيد، وتوريث طقوسه
لأجيال نشأت بعيدًا عن طقوسه الإسلامية سواء موطنها الأول أو كنشأتها في بلادها
غير الإسلامية.
صلاة العيد.. في
المراكز الإسلامية غياب الإجازات الرسمية
أولى مظاهر
العيد هي الصلاة، ورغم غياب الإجازات الرسمية في غالبية دول الغرب، يحرص المسلمون
على أدائها جماعة، إما في المساجد أو في ساحات عامة يستأذن لاستخدامها مسبقًا أو
المراكز الإسلامية.
اظهار أخبار متعلقة
ففي ألمانيا
مثلًا، تسمح البلديات للمساجد الكبرى بتنظيم الصلاة في ساحات مكشوفة مثل ملاعب أو
مواقف سيارات واسعة، وفي الولايات المتحدة، تنظم بعض الجوامع الكبرى صلاة العيد
داخل قاعات مؤتمرات ضخمة أو صالات مغلقة مستأجرة في الفنادق.
أما في دول مثل
فرنسا أو كندا، فإن بعض المدارس الإسلامية أو المراكز الثقافية تتحول إلى ساحات
صلاة مؤقتة، مع تجهيزها بوسائل تنظيم مروري وخدمات للنساء والأطفال، في مشهد يكشف
عن مدى التنظيم الذي تطور على مر السنوات.
الذبح: تحديات
قانونية وبدائل مبتكرة
الذبح في عيد
الأضحى يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه المسلمين في الدول غير المسلمة، فالكثير
من الدول الأوروبية، مثل هولندا وبلجيكا وسويسرا، فرضت قيودا مشددة أو حظرا
فعليا على الذبح دون صعق، ما يتعارض مع الشروط الشرعية للذبيحة الإسلامية.
في بريطانيا، ما
زال
الذبح الحلال مسموحا ضمن استثناءات دينية، لكن يجب أن يتم في المسالخ
المعتمدة فقط، مع فرض رقابة صارمة، وفي فرنسا، تسمح القوانين بالذبح الشرعي خلال
أيام العيد، ولكن فقط في مواقع معتمدة مؤقتًا، وتخضع لإشراف بيطري دقيق، ما يدفع
الكثير من المسلمين هناك لحجز الذبائح مسبقًا من شركات تتعامل مع مجازر إسلامية
معترف بها.
اظهار أخبار متعلقة
أما في الولايات
المتحدة وكندا، فالوضع أكثر مرونة نسبيًا، لكن لا تزال هناك تحديات لوجستية كبيرة،
تدفع البعض للتضحية بالتبرع عبر منظمات إنسانية تنوب عنهم في تنفيذ الذبح في دول
إسلامية.
أجواء العيد:
بين الخصوصية والاندماج المجتمعيورغم ضغوط العمل
والدراسة في بيئات لا تحتفل بالعيد، ينجح الكثير من المسلمين في خلق أجواء أسرية
دافئة، تبدأ غالبًا بصلاة الفجر، ثم تجهيز الأطفال بملابس العيد، وزيارة الأقارب
والأصدقاء، حيث يتحول اليوم إلى احتفال منزلي تعويضي عن غياب الاحتفالات العامة.
وتنظم الجاليات
الإسلامية في البلاد غير العربية والإسلامية مهرجانات صغيرة خلال أيام العيد في
الحدائق العامة، تحتوي على أطعمة حلال، وألعاب للأطفال، وعروض فنية تعكس الثقافة
الإسلامية، ما يساعد الأطفال على الارتباط بالعيد رغم افتقار الجو العام له وتربطهم
بأبناء الجالية الإسلامية.
التحديات
والفرص: الحفاظ على الهوية في بيئات علمانية
الاحتفال بالعيد
في بيئات علمانية أو مسيحية يحمل بعدًا رمزيًا مهما، إذ يعكس تمسك المسلمين
بهويتهم رغم سياقات الاندماج والاختلاف، في بعض الدول، مثل فرنسا أو النرويج،
يتعرض المسلمون أحيانًا لانتقادات أو تضييق إعلامي حينما تظهر طقوس العيد في
الأماكن العامة، مثل الأضاحي أو التجمعات الكبيرة.
لكن هناك اتجاه
مقابل، بدأ يتشكل في السنوات الأخيرة، حيث تتعمد الجاليات الإسلامية دعوة غير
المسلمين لحضور فعاليات العيد والتعرف على تقاليده، كنوع من كسر الحواجز، ونقل
صورة إيجابية عن الإسلام.
اظهار أخبار متعلقة
التضحية عن بعد:
بعد عالمي وتضامن إنساني
وفي ظل غلاء
المعيشة وصعوبة الذبح محليا، يتجه الكثير من المسلمين في
المهجر لتوكيل جمعيات
إنسانية تقوم بالذبح في دول فقيرة مثل الصومال أو بنغلادش أو فلسطين، وهو ما يضفي
على الأضحية بعدًا عالميًا تضامنيًا.
وتنتشر في هذه
الفترة حملات إلكترونية ضخمة عبر مواقع التبرع مثل LaunchGood وIslamic
Relief،
تجمع ملايين الدولارات من الجاليات الإسلامية في الغرب لتوزيع لحوم الأضاحي على
المحتاجين في أكثر من 30 دولة.
نقل القيم
للأجيال الجديدة: تحدي الهوية في المهجر
أحد أبرز تحديات
العيد في بلاد المهجر هو إيصال معناه وبهجته للأبناء الذين وُلدوا ونشأوا في بيئة
ثقافية مختلفة. لذلك، تسعى الأسر إلى تعويض غياب المظاهر العامة للعيد بخلق طقوس
أسرية خاصة، تشمل توزيع العيدية، تزيين البيوت، إعداد أكلات تقليدية، وتنظيم أنشطة
ترفيهية، لتظل ذكرى العيد حاضرة في الذاكرة العاطفية للطفل.